الصفحات

الأربعاء، 20 أبريل 2011

دبي مدينة ليس عليها صلاة

 تستقبلك بدون غرور ، تستقبلك وفي عينيها ابتسامة وبعضٍ من فرحة تتوقع أنها ستفتح ذراعيها وتحتضنك ولكنها لا تفعل فكل ما تفعله أنها تتهيأ لك لتحتضنها أنت (كم أنت مدللة يادبي !) هذا الانطباع الأول الذي كونته عنها في أول لقائي بها ، تحتفي كثيرا بالغرباء إلى درجة العشق أحياناً، تعامل الجميع كلهم سواسية لافرق بين خليجي و آسوي إلا بالأكثر أناقة ، دبي مدينة تعشق الثقافة والمثقفين لديها كتاب من ألف صفحة تصطحبه معها أينما ذهبت وتتصفحه كل وقت وأي وقت . لم تفقد جاذبيتها رغم أنها تضخمت بعض الشي لا زالت جميلة وتعجب العشاق كثيراً ، دبي التي لا تشرب الخمر قد تفعل أحيانا عندما تطير فرحا هي تعشق القهوة وأحيانا قد تشرب الليمون بالنعناع لتهدئ من قلقها واضطرابها ، دبي لا تهاب العابرين أو الغرباء وقد تضحك أمامهم بصوت عال بل أحيانا تتحرش بهم وتمنحهم بعض من نظراتها وابتسامتها وسخريتها وقد تتغزل بهم وتسألهم بـ ود من أين أنتم ؟
تمنح البعيدين بعض من إغراءاتها وتجيد استمالتهم وتلمّح لهم بأنها لا تمانع من معاشرتهم لها فيحضروا إليها بشوق وحماس وعندما يصلون تفاجئهم بقولها أنا مدينة كامرأة ليس عليها صلاة !
دبي قد تثور فجأة ثم تعاود الابتسام سريعا كطفلٍ أبيض ، يكفي أن تنظر إليها نظرة طويلة نوعاً ما لتبتسم بعفوية وتنسى ما آثارها ، ثمة أشخاص لا يمكن أن تغضب عليهم ؛ بل تمنحهم كامل رضاها وحنانها وقبلاتها وربما شفتيها ليس لأنهم أثرياء ولا لأنهم يملكون جاه أو سلطان وليس لأنهم فنّانين أو مبدعين أو حتى وسيمين ، هي تختارهم وفق مزاج معقد وألوان متداخلة تختارهم لتحبهم  وتقربهم كالنورس حتى لو كانوا مجرد عمّال المهم أنها قررت أن تحبهم والتزمت بهذا القرار .
دبي مدينة عربية باستايل غربي تعشق المتاحف وكأنها فتاة يابانية وتلتزم بالأنظمة والقوانين تتقبلها تماما ولا تخالفها وفي ذات الوقت فهي مدينة سخيّة إلى حد التبذير ، دبي لا تغار من المدن المجاورة ولا تكرهها وتتعامل معها بكل حياد أما في المفاضلة فهي تفضل الرجال وتصادقهم وتقترب منهم أكثر من النساء .
عندما تغضب ويعتريها الغيم وتكفهر ملامحها تنتظر أمطارها تسيل على خديها ولكن هذا لا يحصل ! كل ماتفعله تعود لكتابها ذو الألف صفحة تتصفح عشرات الصفحات وأحيانا مئات في بضع ثواني لتنسى غضبها ، في خضم ذلك تقهقه فجأة ؛ تنظر إليها تسألها ماذا جرى تجيبك بأن عبارة في الكتاب الذي تقرأه أضحكتها ، تسأل عن تلك العبارة تجدها عادية ولكن دبي قولبتها بطريقتها الخاصة وجعلت منها فنّاً ساخرا وسردا شيقا يستحقُ القهقهة .
دبي مدينة لا يشرد ذهنها كثيرا ولا يتشتت ولكنها عندما تفعلُ ذلك تحيل الأجواء إلى كآبة وملل ، وفي أوقات قليلة قد تزعجك ولكنك لا تملك إلا أن تحتويها هي تستحق الاحتواء لأنها تقدم لك الفرح . مدينة مثل دبي لا تحب البقاء في البيت ولا تعود إليه إلا للنوم فقط أغلب أوقاتها خارج المنزل هي مدينة الشمس والقمر مدينة النجوم والأبراج المنتصبة عليها بحذر لتمنعها من الطيران والتحليق عالياً ، دبي مدينة دافئة لا تعرف البرد رغم الغيوم التي تعتريها أحيانا وقد تمنحك بعض نسمات الهواء اللذيذة في فترة متأخرة من الليل وبعض أطراف النهار ، لاتحب أن يتم عزلها أو يغلق أحدا عليها الأبواب وابتداء من الصباح الباكر تضع احمر الشفاه على شفتيها والظلال على عينها وتخرج بصحبتهما ، لا تستخدم المكياج كثيرا قد لا تحتاج إليه لأنها بيضاء البشرة ، بها بعض المسحة الفارسية عينيها الواسعتين وشعرها الناعم والمنسدل خلف ظهرها بألوانه الزاهية ملامحها بشكل عام تقول ذلك ، هي ليست مدينة فاضلة ولكنها ذات قبول للآخرين ، هي مدينة حمراء ولكنها تحب الألوان الفاتحة وترتدي الأبيض كثيرا ولا تتعرى إلا في غرفتها الخاصة .
دبي لديها القدرة على قراءة مافي نفوس الآخرين واكتشاف مايفكرون به قد تقرأ ذلك من خلال عينها وأحيانا ربما تقول أن لديها شياطين يخبرونها بما يفكر به الشخص المجاور لها ، لديها بعض الملاحظات الدقيقة مرة قالت : من يحب (شارع العطايف) لايحب (ترمي بشرر) والعكس صحيح ، وكأنها تقول من يحب جدة لا يحب الرياض ومن يحب الرياض لا يحب جدة .
دبي مدينة تملك من الذكاء الكثير وتفكر في عشرات الأشياء في وقت واحد يخال إليك أحيانا أنها مدينة عبقرية تعرف كل شي ولكنك تستغرب أحيانا عندما تجدها لا تعرف بعض الأشياء البديهية ، دبي تتكلم الانجليزية بطلاقة وسرعة وتستوعب المتحدثين بها بسرعة أيضا تتعامل معها كالعربية تماما ، هي مدينة متعددة ومنفتحة تستوعب الكثير من الأطياف والمذاهب والثقافات والعادات ، مدينة ذات لهجة خليجية ولكنها بيضاء وواضحة للآخرين .
ليس لديها ولعاً كثيرا بأشكال الناس ولا تبيّن أن لديها ميول للتصوير إلا أنها تلتقط الصور دون أن يشعر الآخرين وربما التقطت لهم الصور وهم في أوضاع لا يحبذونها ولكن لأنها دبي فهم يتقبلونها منها برحابة صدر وابتسامة رضى .
دبي مدينة لا ترتدي الجينز ولا تهتم بالبرستيج ولكنها في الوقت ذاته ليست بالمدينة الشعبية هي مزيج من هذا وذاك ؛ وربما نقول أنها تخلو من هذا وذاك ؛ هي مدينة معقدة بل مدينة سهلة ، كم أنتِ غريبة يادبي ..لازالت عاجز عن وصفها وتحديد هويتها؛ لازلت أجهلها !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق