قراءات

ديوان يعتمد على الرؤية البصرية

«المعجزات الصغيرة» .. اختلت الهوية وتعدد الإبداع


قراءة: حسين الغامدي
"المعجزات الصغيرة ليست في حاجة لمعجزات كبيرة لنراها" هكذا وقّع البوق أحمد إهداءه. نادي الطائف الأدبي ودار الانتشار العربي يتشاركان في نشر وطباعة الديوان. اللون الأبيض يغلب على الغلافين الأمامي والخلفي مع بعض رسومات لهيئات كهيئة أصحاب المعجزات الصغيرة.. 94 صفحة تليق بـ 30 قصيدة هي محتويات المجموعة. أُقّلبُ صفحاته متمتما "يحتاج لتأمل" وليس لرؤية فقط كما طلب مني الإهداء. أنتقل مباشرة إلى قلب الديوان إلى نص "المعجزات الصغيرة".
من حيث البناء: مقدمة من عبارة واحدة ثم سبع مقاطع ثم خاتمة قفلتها نواة الديوان وعنوانه. أتفحص النص: كل المقاطع تتكون من جزأين الوصف والتشبيه. جميع المقاطع تبدأ بـ أداة التشبيه كأن، العرب إذا اهتمت بشيء قدمته، تقديم الأداة اهتماما بالبلاغة وتحديدا التشبيه. أيضا في كل المقاطع يأتي الفعل المضارع خلفا لأداة التشبيه، إذا يظهر الزمن بوضوح. الديوان يحاول أن يعيش جمال اللحظة، القصيدة تتحدث في الزمن الآني، وهذا يعكس أن الشاعر تصالح مع ذاته بعد "منكسر باعتداد"
(أخرج من ذاتك تظهر.. ابعد عن نفسك تكبر) مطلع قصيدة للشهاوي، قليل من التأمل يتضح أن النصوص تخرج عن الأنا وتتحدث عن الآخر، المجموعة تتجاوز وهم الـ "جنة" وتتأمل "المعجزات الصغيرة"، تجاوزا نستطيع أن نقول الشاعر على أبواب التصوّف.
يُركّب الصور، يضرب الأمثال، في المقطع الثاني مثلا.. يستحضر تركيب آية الشجرة المباركة، يقول: "كلحن بطيء(يا..دان..دان).. يرنّمه شيخ وقور. .على (رتم) دُفٍّ.. مازال فوق الجمر يسخن جلدهُ" .. تكتمل الصورة وتظهر البلاغة ولكن يختل الرتم ، لا بأس البلاغة أهم.. الطفولة حالة عاطفية وحالة إنسانية، الطفولة انعكاس للنقاء.. بينما عند الشعراء ارتبطت بالمعجزات .. نص المعجزات الصغيرة يتأمل تصرفات طفلة في عامها الأول ويكتبها شعرا واصفا إياها بالمعجزات.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، ففي نص "حينا من الضوء" جاءت كلمة المعجزات أيضا مرتبطة بالطفولة عندما قال الشاعر: (كنت – بالكاد- تجترح المعجزات) ثم أكمل يصف المعجزات.. بمعنى، نستطيع أن نقول: وشهد شاعرين.. الحداثيون قد يتشابهون، صاحب "المعجزات الصغيرة" قدّم النص إهداء لطفلته ثم اقتبس عنوان النص ووضعه عنوانا للمجموعة.. صاحب "حينا من الضوء" قدم النص إهداء لطفله ثم اقتبس العنوان ووضعه عنوان للمجموعة.. أوردت هذا كمدخل لسيكولوجية شعراء الحداثة المعاصرين.. المعجزات الصغيرة ديوان يعتمد على الرؤية البصرية؛ العين هي الحاسة التي يلتقط بها الشاعر الأشياء ثم يعيد توظفيها شعرا، تظهر في نص المعجزات وتظهر بوضوح أكثر في نصوص: لوحة الإعلان، نهر ومدينة، العابرون، فوضى .. لذلك تطرقت الموضوعات لليومي المألوف، وخفتت الأنا، وتنوعت النصوص شكلا ومضمونا.. المخاطَب عند صاحب "المعجزات الصغيرة" أكثر أهمية، لذا ارتفع الجرس الموسيقي في قصيدة فاطمة وتباسطت الكلمات.. وتقلّص حجم العبارات.. القصيدةُ مصمّمة لفاطمة، لذا كتبت بما يناسب فاطمة، نعم؛ اختلت هوية الديوان، لكن تعدّد الإبداع .. وفي السياق ذاته نص "لو لم أتزوج أمك" الفرق من حيث الأسلوب، حيث تناولها الشاعر بشكل واضح ومباشر وبشكل حاسم ليقطع على المخاطب الجدل.. اهتم الديوان بالتراكيب اللغوية، مثلا: (تتأرجح بين الحب وبين الحرب) ثم يقول (من حرف الراء انزلق الشعر)، واستخدم بعض المحسنات البديعية، (أعلى قليلا . من أعلى سلّمة للروح) (أدنى قليلا.. من أدنى درجات الرغبة في جسدي) (محفوفا بالشوق وبالشّوك) الأمر الذي أحدث الإيقاع والذي كان يزيد في بعض النصوص وينقص في أخرى ..
الخُلاصة: كشف الديوان عن بعض الجوانب الشخصية للشاعر حيثُ ظهرت نظرته المنطقية والعقلانية، يوازن بين الطموح والواقع، ويتغلب النمط البصري على شخصيته، أما الديوان فاعتمد على التنويع في الأوزان استخدم القافية في قليلا من النصوص، عكس الواقعية والتأملية للشاعر، استخدم السخرية في بعض مقاطعه، مال إلى أدب الصورة يلتقط المَشاهد ابتداء من مُحيطه الصغير حتى أبعد نقطة في العالم، يلتقطها من خِلال العين ويُدوّنها شعرا ..

http://www.aleqt.com/2016/03/10/article_1037288.html

ليست هناك تعليقات: