الصفحات

السبت، 10 سبتمبر 2016

شجرة يسقيها الشاي

أشعار عن الحياة

تمثل الكلمات الثلاث التي عنون بها الشاعر مسفر الغامدي مجموعته «شجرة يسقيها الشاي» دلالات مختلفة، فالشجرة هي الحياة، والسقيا الفعل المعطاء، والشاي حيث المزاج.
كلمات ليس فيها حزن، ولا العتب أو الغضب أو الإيحاء بالنقد، وهي مؤشر جيد للولوج في النصوص، وتخبرنا أن الشاعر يتحدث عن زمن ومكان آخر عن مدينة فاضلة أو هكذا كانت في عينيه، وبنظرة عامة على النصوص نجد التطبيق الفعلي للعنوان حياة وعطاء ومزاج، عاشها واقعا لا خيالا.

بين النافذة والباب

في القراءة المرة الأولى لم أحفل بالعنوان كعبارة مبتكرة، ولكن بعد ترديده رأيته مموسقا يعكس فرحًا، ومن حيث الصورة فالشجرة التي يسقيها الشاي حتما سيلوّنها ويرفعها للأعلى، فالشاي قد يكون نبيذا.
يجبرنا الغامدي أن نلج مجموعته من النافذة بدلًا من الباب، والذي أتى كعنوان لأحد النصوص ولكن بعد «النافذة» بمسافة، وكأنها دلالة معينة، لم تكن في وعيه.
النافذة هي الحب الأول والنشوة والذكرى الجميلة، أخذت مشروعيتها في وجود «الباب» الذي أتى بعدئذ، ولو لم يأت «الباب» لكانت «النافذة» غير صالحة.

شجرة العائلة

ونجد التكرار من النص الأول، في كلمة «جبل»، ولكنها كل مرة تضيف شيئا ما وكأنها كلمة جديدة، الجبل الذي كوّن جيشا من الحرس يوجّه الناس للحصول على المعلومة من المصدر الحقيقي حسب رأي الشاعر، باختصار نصٌ عميق رغم التمجيد للخرافة.

نسيان

في نص «نسيان» ذلك النص الحزين المغلف بالسخرية، اتضحت عبارة «إن البشارة ناقصة»، التي أتت في النص الذي يسبقه، عندها أدركت أن النصوص تسير وفق تسلسل زمني مقصود، وغير محبذ لشخص مثلي يبدأُ قراءة الدواوين من منتصفها والجرائد من آخرها.

تسلسل زمني

النصوص التالية: التفاحة، وراء الباب، البئر، سنيهيوت، سنة أولى وغيرها، تؤيد أن الشاعر قصد تسلسلا زمنيا استمر كسيرة ذاتية مكتوبة بالشعر، فالزمن يحضر بشكل لافت، ومن خلالها يصوغ الشاعر حياته والبيئة من حوله، ويوثّق نموذجا لمكان وزمان بلغة الشاي، ولا تخلو من رؤيته المؤيدة أحيانا مثل «لكنه أجمل خطأ أرتكبه في حياته»، أو الآراء الرافضة مثل «قبل أن تنتشر الأمية فيما بعد».

مفارقة

ولا تخلو النصوص من مفارقات الحياة ومفاجآتها، ففي نص «البئر» مثلا يقوم الأب بإعداد الابن للحياة التي عاشها الأب، ولم يعلم أن هناك حياة مختلفة تماما سيعيشها ابنه.
وتستمر المفارقة في نص «سنة أولى» مخلوطة بعذوبة الطفولة وحنان الأم، وتتمثل لي تلك الصورة «فيما أمشي وأنظر إلى الخلف» يهزني المشهد لأنني عشته واقعا، ومن ثمّ يطمئن قلبي بأن ما أقرؤه شعرا، شعر خالص حتى لو كان بدون وزن أو قافية.

مبالغة وإرباك

أتجولُ في النصوص متوقفا في نصِّ «بكاء» وأتذكر قول الناقد الدكتور حسن النعمي «الشعر لغة استثنائية وصورة مركبة ومجاز لا يكاد يلامس الواقع، وروح غارقة في تأملاتها، وإذا حضرت القصيدة بهذه الأبعاد تحركت في المتلقي حواس الجمال وقيم الإنسان العليا».
ومع ذلك توقفت عند عدد من الملاحظات كانت الأولى في نص «سنة ثالثة» في عبارة «وأن يدي ستنفصل عن جسدي» رأيت فيها مبالغة أفقدت النص عفويته.
وفي نص «طَرَف» وتحديدا «إلى درجة أنني كنت أظن» إلى آخر المقطع، رأيت أن دخول الأنا أربك النص وأفقده انسيابيته، وفي نص «صلاة الجمعة» وردت عبارة «يريد أبي أن أتقرب إلى الله ببقرة سمينة، لا مجرد بيضة صغيرة لا تغني ولا تسمن من جوع».
رأيتها زائدة والزوائد تفقدُ القصيدةَ الحديثةَ خاصيتها، وكان بالإمكان أن يستقيمَ النص بدونها.
تقبلت نص النائمون مضمونا وليس شكلا، فالحوارية في النصوص الشعرية تحتاج إلى زمن آخر كي يؤمن المتلقي بها، ولم أجد روح الشعر في «الجريمة»، وتكرار الفعل يقول في نص الثُقب لم يكن موفقا كما كان في نص نافذة، وفي «الأسماء» لم يكن الشاعر سيعجز عن صياغة مختلفة ولكن يغفر له جمال العبارة الأخيرة.

تأمل النصوص

وفي المقابل استوقفتني نصوص مدعاة للتأمل، مثال على ذلك «أمل حياتي»، والذي يعكس الذائقة الأصيلة والفن العميق التي انتمى لها الشاعر في وقت مبكر من حياته، ونصُّ «سقيا» فهو وجه آخر لعنوان المجموعة، ورأيت رتما مشوقا في نصِّ «العصا»، ورأيت في «البيت» قصيدةً تامة، ولم أجد تعليقا على نكهة نص «السحارية» و»الرسالة»، وتوقفت في نص «برزخ» متأثرا بكل ما يحمله من ألم وإنسانية، كان نصا أسمى من الشعر بدرجة كما وصف سعد زهير المجموعة، وقال «إنها أكثر سموا من الشعر، أذكر أنني أجبته حينها قائلا: ولكنه ليس وحيا إلا لو كان من الشيطان، فالشيطان والشعر توأمان، والشعر ومسفر وجهان لعملة واحدة».


http://www.makkahnewspaper.com/makka...8#.VVCYpZDNtjp


http://www.twaslghamd.com/?p=19161



https://www.facebook.com/hussain505/posts/10206460396410013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق